المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما وراء جدر الأمن المستتب


بتال بن جزاء
03-04-2013, 07:20 PM
إن نعمة الأمن من أعظم النعم التي يمتنّ الله بها على الإنسان، بعد نعمة الإيمان، ونعمة الصحة والعافية؛ ولذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من حازهما- مع القناعة- فكأنما حاز الدنيا كلها: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها".
لكن الأمن في السكن، لا يتأتى إلا بتوفر الأمن في البلد، وتوفر الأمن في البلد لا يتأتى إلا بنظام يقوم على مبدئي الحق، والعدل؛ سارياً في تنفيذه على أي أحد كائناً من كان، أميراً ومأموراً، رئيساً ومرؤوساً، فلا يُغيَّر التشريع لهوى، ولا يُجار على المولى لغضب، ولا تنتزع الحقوق لحظوظ النفس، ولذا حذّر الله تعالى نبيه داود عليه السلام من اتباع هواه في حكمه: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} الآية.
وفي هذه الظروف الإقليمية والمحلية، يقف المسؤول- بجميع مراتبه- أمام امتحانٍ كبيرٍ ومعادلةٍ صعبةٍ لتحقيق الأمن بعدالة! فالأخبار تتابع، والتقارير تترى، والمتغيرات تتطور، وهنا يتحتم عليه عدد من الاعتبارات التي تُسهم في استتاب الأمن مع درجة عالية من العدل؛ أسردها- مستعيناً بالله- فيما يأتي:
1- لا شك أن مقالي هذا موجه للمسؤولين بشكل رئيس، لكننا جميعا شعباً وإعلاماً؛ نتحمّل جزءاً من المسؤولية، بالتعاون على تطبيق العدالة وحفظ الأمن، وسلك السبل النظامية، وعدم الانسياق وراء الإشاعات دون التثبت منها، ومع أهمية دور رجال الأمن في حفظ الأمن، إلاّ أنّ المهمة لا تكتمل إلا بتعاون الشعب وتكاتفه، بتعزيز الصواب وشكره، ومعالجة الخطأ وتداركه، حتى تتحقق هذه الغاية العظيمة.
2- على المسؤول أن يجعل من أولوياته في التعامل مع الناس، حفظ حقوق الناس وحرماتهم؛ دماً ومالاً وعرضاً، وخاصة ذوي الهيئات، والنساء والأطفال، والحفاظ على كرامة الجميع، وتحقيقاً لذلك لابد من الوضوح والشفافية، وعدم التخوين وإلصاق التهم المعلبة، والنفس تنقاد للحق ولو كان عليها، بشرط ألاّ تمتهن الكرامة الإنسانية التي كرّم الله بها بني آدم.
3- على المسؤول عدم الميل مع أحد ضد أحد بدون حق، حتى لو كان هذا أقرب أو أطوع، وهذا يحتم تأمين الجبهة الداخلية من عوامل التخلخل أو التصدع، وتثبيت قاعدة العدل، وعدم الرضا بالخطأ، فكما يحاسب الصغير، يحاسب الكبير، وكما يعاقب المرؤوس، يعاقب المسؤول، وكما يراقب المأمور، يراقب الأمير، فالمجتمع سفينته واحدة، وبالعدل تجتمع الكلمة.
4- يجدر في مواقف الاختلاف، أن يكون المسؤول الأكبر مباشراً للأوضاع بنفسه، متواضعاً نزالاً للميدان، حتى يحسَّ بهموم الشارع الحقيقية، وألاَّ يكتفي بما يرفع له؛ فبعض ما يُحكى لا يطابق الواقع، وليس من رأى كمن سمع!
5- من المهم لدى المسؤول- وهو يمارس تثبيت الأمن- ألا يظن أنه فوق النقد، أو غير قابل للوقوع في الخطأ، وهنا يأتي دور الحكماء والعقلاء، الذين يبدؤون بتبصيره قبل الناس، وويل لمن قرّب من يوافقه فقط، ومنع الناس من قول الحق أو إيصاله؛ فحينئذ ستكبر الأخطاء وتكثر، وستكون العاقبة وخيمة!
6- من الخطأ حصر استتباب الأمن بأسلوب القوة والحل الأمني والعسكري فقط؛ فقلوب العباد ومحبتهم لا تساق بالحديد والنار، بل بالتقرب لهم والإحساس بهم والاستماع إليهم، مع النزاهة وعدم وجود هوة بين الطرفين، ولو كان الأمر كذلك، فهل أغنت الأجهزة الأمنية رؤساء دول مجاورة؟! لقد أسقطهم الظلم ولا شيء غيره!
7- من عوامل استتاب الأمن: الرجوع لأهل العلم والفضل، والصدور عن آرائهم المبنية على التشريع الذي يرجع إليه نظام البلد؛ فالسؤال الذي يضج به الشارع الآن: ما درجة الالتزام بذلك؟ وما مدى إفساح الطريق لجميع طلبة العلم والخبرة بالمشاركة؟ وعدم الاقتصار على فئة دون أخرى؟ وهل هناك حرص على حفظ جانبهم وتمكينهم مما يريدون من البلاغ حول موضوعات مهمة للبلاد؟!
وبعد، إننا حينما نسارع لاستتباب الأمن والمحافظة عليه نقطع الطريق على الذين يريدون شراً بالوطن ومكتسباته، وقد كنتُ ولا زلتُ أرفع عقيرتي بما أحبه لأهل بلدي، وبما آمله من المسؤولين من أكبرهم إلى أصغرهم؛ وذلك في مقالات سابقة ضمَّنتها نظرات مخلصة لبلدي، فهل سنبادر ونكون يداً واحدة لقيادة البلد حقاً لبر الأمان "بالحق والعدل"؟! اللهم أصلح الراعي والرعية، وألِّف بين قلوبهم، واحفظ البلاد والعباد ممن يريد بهم شراً وفساداً، آمين!



http://sabq.org/xf1aCd