المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "أوامر من جهات عليا"


بتال بن جزاء
03-11-2013, 05:37 AM
بدعة سخيفة، يحاول بعض الموظفين تسويقها، والعمل على تكريسها؛ حتى تصبح قاعدة وقناعاً لتجاوزاتهم وتسيبهم ومخالفاتهم لأنظمة العمل.. مستغلين السذج والبسطاء الذين يقتنعون بأي حجة، والذين يساعدونهم للمضي في غيهم وطغيانهم وتدليسهم باسم تلك الافتراءات الكاذبة.

كذاب.. كذاب.. كذاب من يستخدم عدداً من العبارات والادعاءات والتبريرات الواهية؛ ليخدع البعض بأحقية ما يقوم به، وقد تكون ممارسته أمراً مخالفاً للأنظمة وللمصلحة العامة، وبالضرورة ففيها ضياع لحق المواطن، وسلب للمستفيد من الخدمة، وحينما تستفسر أو تسأل يقال لك "أوامر من جهات عليا"، ويقصد بذلك أن هناك أوامر صادرة بهذا الشأن من جهات تمتلك حق الأوامر، أي جهات فوق مستواه، وقد تكون هذه الأوامر في خياله المريض فقط.

المشكلة لا تكمن فيمن ينطق بمثل هذه العبارات، أو يستخدم هذا الغطاء الكاذب، حتى لو كان كذاباً، إنما المشكلة فيمن يصدق ذلك، ويقتنع بتلك الذريعة، وينصرف، ويؤمن بها خوفاً من مجابهة من يُلبس أعماله "الفاسدة" و"غير المشروعة" ثوب "الجهات العليا" المزعومة.

والسؤال: ما تلك الجهات العليا التي يحتمي بها أمثال هؤلاء، ويزعمون أنها تأمرهم بالفساد والكذب والتدليس؟.. لكن أمثال هؤلاء يدركون أن بعض البسطاء والمساكين تنطلي عليهم حيلة "الاستقواء" بكلمة "أوامر من جهات عليا"؛ لذلك سيتم استخدامها دون رقيب أو حسيب، ولو سألته عن الجهات العليا لضاع في حروفه، ولوقف حائراً دون الحصول على إجابة، لكن من الذي يسألهم مثل هذا السؤال؟ ومن الذي يوقفهم عند حدهم؟!

نحن نعيش في كنف أرض الحرمين الشريفين، وتحت مظلة حكومة تحكم بشرع نهجه ودستوره القرآن الكريم وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأوامر الشرع تنهانا عن الفساد والأعمال غير المشروعة وتحذرنا منها، وتنهانا أيضاً عن الغش والخداع وإضاعة حقوق الآخرين تحت أي ذريعة كانت، كما أنها لا تجعل للظالم والمستبد مكاناً تحت أي مظلة؛ فمظلتنا العدل والصدق والإخلاص في العمل وأداء الواجب والأمانة في التعامل مع الجميع.. ولكن البعض يستخدم القوة وتزييف الأقوال واللوائح وتطويع الحقيقة؛ ليضفي على نفسه هالة من الحصانة الكاذبة، التي تجعله يمارس أعمالاً غير مشروعة، تحت غطاء الأوامر العليا المزعومة. ونحن نعلم أن الأوامر العليا إن كانت من رب العالمين فهي ترفض أي عمل مخالف فيه فساد وظلم وأكل الأموال بالباطل، وإذا كان المقصود بـ"الأوامر العليا" حكومتنا فنحن لا نعلم عنها سوى الأوامر الواضحة التي تصدرها في النور، وفي وضح النهار، ونعرفها أنها مبنية على سُنة الله ورسوله، وفيها المصلحة العامة، وحفظ حقوق الناس.. وإذا كان أمثال هؤلاء يقصدون بـ"أوامر من جهات عليا" أنفسهم ومزاجهم وتصرفاتهم الشخصية، وسلوكياتهم التي تتنافي مع أبسط أخلاقيات المهنة، فهذا هو اتباع الهوى بعينه الذي نهى عنه الشرع، وهناك عقوبات وجزاءات تردع من يريد الفساد تحت اسم "أوامر من جهات عليا لا بد من تفعيلها"؛ لأن الأوامر العليا واضحة وصريحة، لا شيء يدور خلف الكواليس؛ فلا بد لأمثال هؤلاء أن يوقَفوا عند حدهم، إما بوعي المواطن، أو بقوة القانون والنظام، حفاظاً على حقوق العامة، وردعاً لمن يدعي الاحتماء بمظلة "الأوامر العليا" المزعومة.
لا بد من وقفة شجاعة لمواجهة مثل هذه السخافات، التي لا تنطلي إلا على السذج والبسطاء.



http://sabq.org/Jf1aCd