المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة ثقافة أم موت مثقف؟!


بتال بن جزاء
04-06-2013, 03:15 PM
يقول الأديب عبدالله منّاع في مذكراته "بعض الأيام.. بعض الليالي" متحدثاً عن موقف تعرض له قبل نحو 36 عاماً: "بعد مضي ثلاث سنوات وثمانية أشهر جاء إيقافي الأول بسبب ما كتبته عن حال بعض الزعامات العربية، الذين اقترحتُ حاجتهم للعلاج بالموسيقى؛ باعتبار أن العرب أول من اخترع العلاج بالزّار؛ فتم فَصْلي والاستغناء عن خدماتي، وذهبت إلى بيتي".

عبدالرحمن منيف أسطورة الرواية العربية ذكر أيضاً أن الثقافة الحقيقية حين تتوقف أن تكون استعراضاً أو ديكوراً، وتتجاوز الأحداث اليومية البسيطة؛ لتتفرغ لجوهر المشاكل بالبحث الرصين، واقتراح الحلول المناسبة لمشاكلها، ويحرص المثقف على دوره النقدي، بحيث لا تفتنه لعبة السياسة اليومية ومناوراتها، ويمتنع عن القيام بمهمة الإفتاء والتبرير لأي حدث سياسي، وتعصمه ثقافته وضميره عن تقديم الحلول التلفيقية، عندئذ تصبح الثقافة ركناً أساسياً في حياة المجتمع والناس، ويصبح دورها قوياً وفاعلاً.

وفي وسط هذه المعمعة الفكرية، والتجاذبات التاريخية، لم يتغير الوضع كثيراً عن سابقه؛ حيث يغيب المثقف الواعي، وصوت العقل، والرأي الحكيم.. تفتش بين أعمدة الصحف، وأغلفة الكتب، وعشرات البرامج الحوارية والوثائقية، فلا تكاد تجد إلا النزر اليسير اليسير الذي يحمل قيمة، أو يشكّل رأياً عاماً، أو حتى مؤثراً في الناس. وحين تغيب الكلمة الصادقة، التي ليس بالضرورة أن تكون نقداً، يغيب معها كثير من القيم والإصلاحات، والحقيقة أيضاً؛ فتدخل الأمة في سرداب مظلم؛ فيتحالف المثقف مع السياسي، هذا يشري ذمته، وذاك يبيع صوته، وما بين الإغراءات والتهديدات يتقافز فارغون من الفكر والمعرفة على السطح، ينظّرون للناس، ويقترحون الحلول، فيَضلّون، ويُضِلّون، ويطبّلون أو ينتقمون؛ لذلك فقد أشار المفكر التربوي ماجد الكيلاني إلى أن أحد أسباب تخلف الأمة الإسلامية ندرة العلماء والمفكرين في الأمة قياساً إلى نسبة المسلمين؛ الأمر الذي يساهم في ضعف حركة التدافع، والاقتداء، والفكر.. وقد يكون القرنان الرابع الهجري والخامس الهجري مثالاً لأمة تتعلم، وتقرأ، وتترجم، شاع فيها عشرات العلماء، وخلقت بيئة تنافسية، ساهمت في ذلك الإرث الفكري والعلمي العظيم، وفي كل المعارف. وقد كانت أوروبا وأمريكا ذكيّة حين درست نقاط النهضة في أمتنا، وتمثّلتها؛ فأنتجت هذه الحضارة العظيمة.

قصارى القول إن موت المثقف اليوم حقيقة يجب أن نؤمن بها قبل ندركها، ثم بعد ذلك يجب أن نمعن في التساؤل: لماذا توارى الداعية خلف صوته، وغاص المفكر في نظرياته؟ لماذا هرب الصحفي وراء قلمه، وطار الأديب مع خياله وأوهامه؟! هل لأن الجميع يداجي السلطة، أم أنه يحذرها؟ حتى الناشطون اليوم على الساحة لا تجد لهم خطاً معتدلاً، وحين يتخصص أحدهم في نقد خطاب الإسلام السياسي - على سبيل الافتراض – لا يمكن أن يخرج من الصندوق ليذكر بعض خطايا الفريق الذي ينطلق منه، والمثل بالمثل أيضاً، دون أن يحاول أن يكتب أحد الطرفين بتجرد، ونزاهة؛ فالاعتدال عملة صعبة، وهكذا قال فيهم القاضي الجرجاني:

ولو أنّ أهلَ العلمِ صانوه صانهم *** ولو عظَّموه في النفوسِ لعظما

ولكن أهانوهُ فهانوا ودنَّسوا *** مُحَيَّاهُ بالأطماع حتى تجَهَّما

إن على الدول النفطية اليوم - وهي بمنأى عن الثورات - أن توزع نواتج هذه الثروات على بقية جيرانها، وتشعر بمعاناتها؛ فهذه حقوق مشتركة، إذا أراد العرب أن يكونوا وحدة قوية بالفعل؛ لذلك حين غابت هذه الرؤية ظهرت إيران اليوم بإغراءاتها الاقتصادية والسياسية مخترقة أرض النيل كما اخترقت العراق وسوريا، عينها على العقيدة، والعين الأخرى على مركز الثقل التاريخي الكبير.




http://sabq.org/fh1aCd