ترى المهتمين بعمارة الأوطان والنهوض بالمواطن من القيادات والمسؤولين المخلصين (طبعاً ليس في بعض إداراتنا) يعكفون على تشخيص المشكلات بعد البحث عنها أو ملامستها، ثم العمل والسعي على حلها وعلاجها، ووضع الخطط الناجحة، مع الأخذ في الاعتبار البدائل حال تعثر الحل أو فشله، وخير شاهد التجربة الماليزية (محمد مهاتير)، تلتها تجارب عديدة، منها التركية (رجب أردوغان)؛ إذ إن عقبات النجاح أو تكوُّن المشكلات هي لغياب عنصر من الاثنين البشري أو المادي، فعند توافر الكفاءات البشرية يغيب العنصر المادي، والعكس حال توافر المال يغيب العنصر البشري، وهذا الموجود في أغلب بقاع الأرض، والشواهد كثيرة، منها مثلا لا للحصر الأردن كفاءات بشرية دون العنصر المادي، ورغم ذلك وظفوا إدارة العقول للنجاح ومواجهة الصعاب وتجاوز العقبات.
هذه المقدمة كانت لأجل أن أبين العكس في هذا الوطن المبارك الذي لا مشكلات كبيرة لديه؛ فلدينا العنصر البشري المؤهل والمتوافر حد البطالة، التي ظهرت على الساحة في صفوف الأطباء والمهندسين وحملة الشهادات العليا، ولدينا المال ولله الحمد.
لكنني نظرت للجانب الآخر من القمر فوجدت ما دعاني لتسطير هذا المقال، وهو مشاريع متعثرة، وأخرى حبر على ورق، وصحة متردية، وديون على المواطن متراكمة، وتعليم لم يرتقِ بعد للحد الأدنى من الطموح، وبنية تحتية رثة كشفت عورتها دمعتان من السماء، وجامعات تزخر بأعضاء هيئة تدريس وافدين، والخريجون على رصيف البطالة.
هذا وأكثر سببه واحد، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، صغرت أو كبرت المؤسسة، هو أزمة الإدارة، وهذا ما جعل قمرنا يظلم أحياناً، فالناظر لسماء شركة "أرامكو" يرى فن الإدارة وفكر الإدارة وحسن الإدارة، حين آمنت بها رغم كونها شركة وطنية، وهذا يجعل من كل أجهزتنا أن تخجل من نفسها؛ فالأفراد موجودون، والمال متوافر، وهذا محك حقيقي لتجاوز أزمة الإدارة التي تقود لأزمة غياب الضمير، ثم أزمة الأخلاق.. فالإدارة تمنح فرصة الإبداع وتكسير قيود الروتين، ونزع عباءة التقليد، ومعانقة عنان النجاح، وتكون سبباً في تقدم عجلة التنمية ونهضة الوطن وعز المواطن.. وأملي هو بقدر ألمي في شباب المستقبل الطموح القادر على تغيير معالم الخارطة، وتوجيه البوصلة نحو التغيير والتطوير برد الهيبة للإدارة، وتجاوز أزمة الأمة برمتها.
http://sabq.org/bj1aCd