تقول الحكمة الصينية الشهيرة "إذا أردت مشروعاً تحصده بعد عام فازرع قمحاً، وإذا أردت مشروعاً تحصده بعد عشرة أعوام فاغرس شجرة، وإذا أردت حصاد مائة عام فعلّم شعباً". وهذا ما صنعته اليابان حين أرادت أن تنهض من كبوتها قبل عشرات السنين؛ إذ فحصت واقعها، فوجدت أن سبب أزمتها في المدرسة والمعلم. وحينما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحرر من تخلفها اكتشفت أن الإشكالية تكمن في تردي التعليم، كما جاء في التقرير الشهير الذي أصدره الكونجرس تحت عنوان (أمة في خطر).
لذلك فإن اليابان اليوم استفادت من التعليم في حل مشكلاتها الطبيعية؛ إذ فرض تواتر الزلازل فيها تعليم صنع أشياء خفيفة الحمل، سهلة النقل. واستطاعت أمريكا حين وقعت أزمة النفط في السبعينيات تدريس الطاقة لطلابها، وكيفية ترشيدها، والبحث عن بدائل كالطاقة الشمسية وغيرها.
وفي السعودية فقدنا بوصلة التربية ردحاً من الزمن، ثم تهنا كثيراً، وجربنا أكثر، وفي السنوات القليلة الماضية بدأنا نتلمس خطوات جيدة على السطح، لكنها لم تكن بالقدر الكافي، ولم تنفذ إلى العمق بعد، فاتجهت المناهج نحو التعلُّم الذاتي للطالب وإدخال التقنية للمدارس، وإقرار نظام المقررات، وتشريع امتحانات لقياس القدرات والموهبة للمعلمين والطلاب، إضافة إلى اختبارات الرياضيات والعلوم؛ ما يعني أننا لا نزال في البدايات رغم أننا بدأنا قبل 50 عاماً، والفجوة التي تفصلنا عن الخطوط الأولى لا تزال أكبر من ردمها.
على أرض الواقع قدمت وزارة التربية قبل سبعة أشهر إلى مجلس الشورى تقريراً إيجابياً جميلاً، كنت أتمنى أن تتطرق فيه إلى تحدياتها أكثر من إنجازاتها، وتعرضت فيه بشيء من الإيجاز إلى (مدرسة المستقبل)، وكان من ضمن محاوره تعليم عالي الجودة؛ ليكون جاذباً ومعززاً للتعلم، ومحفزاً للإبداع، ذا قيادة فاعلة ومعلمين مؤهلين، ومدرسة مسؤولة مجتمعياً. ويرسم التقرير أحلاماً كثيرة، وأماني عديدة، ورغم أنه لم يتعرض بالتفصيل إلى هذه الأفكار والرؤى فإنني أخشى في نهاية الأمر أن يكون تنظيراً لا يقترب من الواقع، وطموحات لا تستند إلى أفعال، وذلك كما سمعنا كثيراً عن هذه التطلعات، منذ عهد الخويطر مروراً بالرشيد والعبيد وانتهاءً بالأمير فيصل بن عبدالله.
قصارى القول إننا سنتساءل اليوم وغداً عن الخطوات الأساسية التي كان يجب أن تستبق محاور مدرسة المستقبل، ولاسيما أن الوزارة أشارت في هذا التقرير إلى أنه بحلول عام 1444هـ سندخل مرحلة (النوعية)، وهي – باعتقادي - مرحلة متقدمة جداً؛ كونها تعتمد على (بناء مجتمع المعرفة، والتركيز على المخرجات التعليمية، وتعزيز المحاسبية والتقويم باستخدام مؤشرات أداء إدامة التطوير)، فالمجتمع اليوم لم يعد يحتمل مرحلة التذبذب والكثرة في برامج الإصلاح التربوي، تعميم يلغي آخر، ومشروع يهدم نقيضه.. وهكذا في سلسلة طويلة لا تنتهي.
http://sabq.org/Ti1aCd