تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام صوراً لـ"مارك روتتي" رئيس وزراء هولندا وهو يدخل مقر رئاسة الوزراء بدراجته, وهذه سنّة حميدة في التواضع ولين الجانب, سبقها إليه - قبل أن تنقرض- الخليفة الأسطورة عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" حين دخل القدس راجلاً فيما كان غلامه على ظهر البعير المشترك .
مناسبة حديثي هذا؛ هو القرار التعسفي الذي نفذته بلدية الليث بإغلاق كل المحال التجارية والورش الصناعية الواقعة في مدخل المدينة, والتي تتجاوز 40 دكاناً, بسبب الزيارة المرتقبة لأمير منطقة مكة خالد الفيصل, والذي يقوم بجولة تفقدية على بعض محافظات جنوب مكة, وهي بصنيعها هذا تحاول أن تداري أخطاء خمسين عاماً, بتجميل مدخل المدينة مؤقتاً حتى تنتهي الساعتان التي خصصّها الأمير للّيث! لكنها تناست أن الأمير يعرفها أكثر منهم, وكان الأولى منها لرفع الحرج ؛ هو الإسراع في نقل هذه الورش إلى المنطقة الصناعية التي تأخرت كثيراً, بدلاً من قطع أرزاق العباد, وتعطيل مصالح الناس أربعة أيام متوالية .
سأتجاوز هذه الرتوش, وأعترفُ بأنني أول من احتفى بزيارات الفيصل لمدينة الليث, بل والتسويق لها, لكن حين انتهت السكرة, وجاءت الفكرة, وتكررت الزيارات, ووضع البلد يسوء يوماً بعد يوم, كان يجب أن نرفع أيدينا قليلاً قبل أن نرفع أصواتنا معترضين, ليس على الزيارات وإنما على أسلوبها, كونها لم تعد غير روتين ممل يؤديه الأمير سنوياً, وينتظره المسؤول دورياً .
ومدينة الليث التي تكبر دولة قطر بمرتين, لم يشفع لها هذا الحجم في لفت انتباه أحد, ولو كانت إحدى مدن القصيم أو الرياض لاختلف وضعها كثيراً في خريطة الخدمات والمميزات, ولو رُزقت بمسؤولين أفذاذ جاؤوا للعمل والإنجاز, وليس نتيجة نقل تأديبي لهم, أو طمعاً في تحسين وضعهم الاقتصادي ومكانتهم الاجتماعية لكانت في العالم الخدمي الأول بالفعل, بل لو كان أهلها يملكون الوعي الكامل لأدركوا أن الخدمات البلدية والصحية والتعليمية, لا تأتي إلا بـ"حب الخشوم" وزيارات مكوكية للوزراء في مكاتبهم, والأمراء في قصورهم, بمعاريض عاطفية تبدأ بـ"سلمه الله" وتنتهي بـ" الله يحفظكم ويرعاكم" وأن كذبة "التخطيط" ما هي إلا دعاية للبسطاء والمغلوب على أمرهم .
وهذه الأخيرة بالتحديد ليست معلومة غائبة عن أذهان الناس, يوماً ما قالها أحد مديري الشؤون الصحية بالمنطقة حين اضطره مرض غامض خطير إلى زيارة إحدى القرى النائية فقال للأهالي مصارحاً ومعتذراً "يجب أن تكلفوا شخصاً كل أسبوع بطرق أبوابنا ومراجعتنا, حتى نتذكركم ونقوم بتوفير الخدمات الصحية التي ترغبونها, من لا يشغلنا بطلباته ننساه في زحمة العمل" والرجل لا يزال حيّاً, والأهالي شهود على الواقعة, ومن خلفهم التاريخ يدوّن مآسي الصحة ووزرائها.
لقد صفّق الأهالي كثيراً قبل سنوات, حينما أعلن الفيصل عن إنشاء مدينة اقتصادية قريباً, لكن الأهالي اليوم يصفِقون يداً بيد بعد أن فقدوا الأمل في "قريباً" , بعدها تطايروا فرحاً حين أعلن عن إنشاء ميناء الليث, والمدينة السياحية, والمستشفى الجديد, لكنهم اليوم يؤمنون بأن كل المواعيد وهم, وهم, وهم.
إن الرسالة التي يوجهونها الأهالي للفيصل اليوم هي بيت شعري بسيط لحمزة شحاتة , وهو يختزل معاناتهم ببساطة :
يا فسيلاً قد غص بالماء ريّاً .. ذاك نخلٌ نصيبه منقوص
http://sabq.org/Dh1aCd
الإهداءات
المواضيع المتشابهه
يا أمير مكة: ذاك نخلٌ نصيبه منقوص
العرض العادي
