ضرب المعلّم وأكل الزبيب!

يكتب الكتاب، ويشتكي المعلمون، وترتفع الأصوات، وتشتبك الأيادي، وتخرب مالطا.. كل هذا يجري ولسان حال وزارة التربية والتعليم وإداراتها يقول: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم. كان المعلم في الماضي له هيبته، وله ثقله في المجتمع، وكان الطالب إذا رأى المعلم يسير في طريق سار هو في طريق غيره؛ ليس خوفاً، لكن الاحترام يقوده إلى ذلك، ولأن المعلم هو كل شيء بالنسبة له؛ كان المعلم يؤدب، ويربي قبل أن يُعلّم؛ لأنه يمسك بالعصا ليعاقب من يخرج عن الطريق الصحيح تعليماً وسلوكاً. وأستحضر معكم ما دار بين قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وأحد معلميه قبل أيام، عندما ذكّره بضربه له عندما كان طالباً يدرس عنده، ولم يُنكر المعلم ذلك، بل قال على سبيل المداعبة "ضرب الحبيب زي أكل الزبيب"، وجميعنا نعلم أن الضرب قديماً كان هو الحصانة للمعلم والمؤدب للطالب.

أما اليوم - وآه من اليوم - فقد انعكس الأمر، وأصبح المعلم هو من يُضرب، وهو من يتلقى الإهانة، وهو من يطأطئ الرأس؛ لأن النظام لا يحميه، ولأن الجميع يقف في صف الطالب ضده؛ فليس إلا أجيراً، يجب أن يتحمل كل ما يصدر من الطالب نحوه؛ فالاعتداء من الطالب أقصى عقاب يلقاه نقله إلى مدرسة أخرى، أو الفصل لمدة عام، أما المعلم فيبقى سخرية للطلاب الباقين؛ فهم عندما يرونه يغمزون ويلمزون انتصاراً لزميلهم أو زملائهم الجناة.

لقد كثرت الاعتداءات على المعلمين، ولا تخلو صحفنا الإلكترونية والورقية من الحوادث يومياً، والضحية دائماً المعلم، بل أصبح الاعتداء يطول مديري المدارس؛ فقبل عام نُقل أحد مديري المدارس في الطائف إلى العناية المركزة، وقبل أيام نُقل أيضاً مدير مدرسة ومعلّم بين الحياة والموت إلى المستشفى، وفي كلتا الحالتين كان الاعتداء من طلاب ملثمين، حتى أنهم يرتكبون الجريمة دون أن يعرف المجني عليه من هو غريمه، وقد يُقتل ولا يُعرف من القاتل.

إنني من هذا المنبر الإعلامي أناشد سمو وزير التربية والتعليم أن يكوّن لجنة لمراجعة وضع المعلمين والطلاب، ودراسة إعادة الهيبة للمعلم؛ فالطالب لا يتعلم إلا إذا كان راغباً أو راهباً، ولن يلقى المعلم احترامه إلا إذا كانت هناك حماية له، بإعطائه حق العقاب لمن يشذ ومحاسبته إن أخطأ على الطالب دون وجه حق، وسن القوانين التي تحمي الطالب من المعلم، والمعلم من الطالب، أما ما يُشاع من تأثيرات نفسية للطالب عند تعرضه للضرب فخير دليل على مواجهة القائل بأن ينظر نتائج التربية القديمة، فلم نجد لها تأثيراً نفسياً، وإلا لكان نصف المجتمع في المصحات النفسية.



http://sabq.org/hd1aCd