محمد بن نايف.. أنت لها

على الرغم من كثرة ما قيل وما كُتب عن مرورنا العزيز في جميع وسائل الإعلام تقريباً، وما سطره المغردون والكتَّاب - وأنا واحد ممن كرَّر الكتابة في هذا الشأن - لا أستطيع أن أزعم ولا أعتقد أن أحدهم يستطيع الزعم بأنه تغير شيء على أرض الواقع، بل إن فوضى السير التي تعيشها جميع شوارعنا تزداد يوماً بعد آخر، في مشهد لم أره في أي مكان في العالم.

وهي فوضى ليست خلاقة على أية حال، بل مزيجاً غريباً من الاستهتار، الغرور، الجهل، التجاهل، العصبية، القبلية، عدم احترام الآخر، المغامرة، عدم احترام أنظمة المرور، و... زد ما شئت.

وما زاد الطين بلة، وقلَّل آمالنا في حلول سريعة لمشاكل المرور، ذلك المقال الذي نُشر في جريدة الرياض العدد 16226، يوم الاثنين 12 محرم 1434هـ، للكاتب القدير راشد محمد الفوزان، بعنوان "المرور والحاجة للدعم الثنائي"، وتحدث فيه عن زيارته لمرور الرياض، ومقابلته المسؤولين، وطرح الأسئلة عليهم، ودهشته من أن كل الأسئلة التي طرحها لا تتعلق بالمرور؛ حيث يقول: "لكن وجدت كل الأسئلة التي طرحتها لا تتعلق بالمرور، فأول شيء: كل دخل ساهر المالي لا يأتي للمرور بريال واحد". ويضيف الكاتب قائلاً: "ووجدت أن الدوّار والمداخل والمخارج للشوارع ليست من مسؤولية المرور، بل أمانات المدن، مثلاً بالرياض الهيئة العليا، ولا يوجد تنسيق مع المرور في تصميم الشوارع نهائياً، وهذا يشكِّل مشكلة كبيرة. أما ضعف الوجود على الأرض والانتشار فهو مشكلة دعم غير كاف؛ وبالتالي يتعامل المرور مع المتاح" انتهى.

ومصدر الإحباط هنا أننا تعشّمنا كثيراً في أن سكوت مرورنا العزيز على الرد على المطالبات المتعاقبة ما هو إلا بسبب أنه يعكف على دراسة حلول جذرية لمشاكل المرور في السعودية، وأن هذه الدراسة سترى النور قريباً، و"من طوّل الغيبات جاب الغنائم"، لكن مقال الأستاذ راشد الفوزان بدَّد كل هذه الآمال، ووضعنا أمام الأمر الواقع، بأن مرور الرياض يعاني متاعب وصعوبات متعددة وإمكانيات محدودة.

وما يمكن أن يُقال عن مرور الرياض ينطبق بشكل أو بآخر على المناطق الأخرى؛ فالحال من بعضه.

لا أخفيكم أن مثل هذا الكلام الذي أورده الكاتب من لقائه مع مسـؤولي المرور قد أصابني - مثل غيري - بخيبة أمل كبيرة في حلّ قريب، وأثار في نفسي أسئلة محيرة؛ فهل زيادة النمو السكاني للمملكة وزيادة أعداد الوافدين لهذا البلد لم يواكبهما زيادة في قدرات وإمكانيات المرور بالنسبة نفسها أو قريب منها؟ إلى متى يستمر السير في شوارعنا أشبه برحلة محفوفة بالمخاطر والأهوال؟ ألا نستطيع أن ننعم مثل غيرنا من الدول المتقدمة وحتى بعض دول الجوار بشوارع وطرق آمنة؟ أليس هناك حلول لمشاكل التفحيط وإيقاف لهؤلاء المتهورين العابثين الذين استباحوا حرية شوارعنا، وأصبحوا مصدر قلق ورعب للجميع حتى الآمنين في بيوتهم؟ متى يتم تحديث ومراجعة أنظمة المرور؟ وما المانع أن تكون لدينا محاكم مرورية؟ ولماذا لا يملك المرور حق العقوبة تحت مظلة مثل هذه المحاكم؟ لماذا لا يتم التنسيق مع المرور من قِبل الأجهزة الأخرى طالما أن عمله سيتأثر مباشرة بأي إنشاءات جديدة أو تعديلات في الشوارع أو الطرق؟ هل أصل عمل المرور ميداني أم مكتبي؟ والسؤال الكبير هنا والأهم من كل ما سبق، هو: في ظل معاناة أو عجز المرور طوال هذه السنوات، وحصولنا على أخطر الطرق في العالم حسب آخر الدراسات، من الذي سيوقف هذا النزف في الأموال والأرواح، ويتصدى لحل هذه المعضلة؟

صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، نحن نقدِّر حجم وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق سموكم، ونعلم مدى انشغالكم بمهام وأعمال أمنيّة متعددة، لكن وقفة شامخة من سموكم للاطلاع على أوضاع ومشاكل المرور ستفضي - إن شاء الله - إلى حل جذري لهذه المشكلة، التي لم يسلم منها أي بيت في السعودية.

صاحب السمو، ما استعصى حله على جهاز المرور في السعودية طوال هذه السنوات، لا أخاله يستعصي عليك بحول الله، وأنَّى له هذا وأنت ممن قال فيهم الشاعر:
وتكبر في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين الكبير كبارها
سمو الأمير محمد بن نايف، لا أبالغ إطلاقاً إن قلت: "أنت لها يا سمو الأمير"



http://sabq.org/FZ0aCd