صدارة التشريفات

في عام 1982م بشَّر عالم النفس الأمريكي "هوارد غاردنر" المهمَّشين والمسخوط عليهم في المؤسسات التعليمية بردِّ الاعتبار لهم حين أثبت أنَّ لكل مولود مجموعة من الذكاءات يشغل كل منها حيزاً في دماغه، وأن نصيبه يكون وافراً في اثنين منها على الأقل.
وإذا كانت نظرية "الذكاءات المتعددة" قد تسللت إلى الميدان التربوي عبر الأبحاث النفسية لتحرر التميز من المبرَّزين في الرياضيات واللغويات دون سواهما، فإن كثيراً من المنظومات الوظيفية لا تزال تقيد التميز بنظرة تقليدية متحيزة لأصحاب الذكاء الاجتماعي، تجعلهم دائماً على رأس قائمة المتصدرين المكرمين!
يأتي هذا التحيُّز بسبب اعتقاد وفرة "الخيرية" في أصحاب الذكاء الاجتماعي؛ لأن من طبيعتهم الانفتاح على الآخرين بالصداقات واللقاءات والمساندة المباشرة.. ما يدل على عدم إدراك الغايات الإيجابية النهائية لجميع أنواع الذكاءات، وهي "إيجاد منتوج لائق أو تقديم خدمة مفيدة"، كما يدل على خلل في فهم "الخيرية" بقصرها على وجهة واحدة فقط خلافاً لقوله تعالى: "ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات".
ومع الإقرار بمناسبة بعض أصحاب الذكاء الاجتماعي للإدارة لكن ملازمتهم للاحتمالات الروتينية ووقوعهم تحت ضغوط الاتصالات قلما يسمحان لهم باقتناص ثمرة التأمل العميق والبحث الدقيق والتجريب المتواصل.. لذا فمن المتوقع أن ننتهي إلى السؤال العريض: كم خسرت مؤسساتنا الوطنية من باحث ومؤرخ وصيدلي وطبيب.. انسحب من تخصصه الذي "يُسِّر له" إلى عمل إداري بحت انشغل فيه بابتذال المجاملات و"النطنطة" في المناسبات والمزاحمة على صدارة التشريفات؟



http://sabq.org/Vk1aCd